الامير عبدالقادر04
وبدأت فرنسا حربها الكبرى ضد عبدالقادر والجيش المحمدي، واتبع المارشال
بوغو سياسة الأرض المحروقة من خلال حرق المحاصيل والمساحات المزروعة
وتدمير القرى وتخريب الواحات والقتل الجماعي للسكان، وهذا أدى إلى سقوط
قلاع الأمير عبدالقادر تباعاً وفي ذات الوقت قام الجيش بإعدام كل زعماء
القبائل التي تتعاون مع الأمير؛ واستطاع الجيش الفرنسي بهذه السياسة
احتلال مدينة الزمالة التي تضم المصانع العسكرية، والخزينة المالية للأمير
الذي لم يجد بعد طول مقاومة إلا الالتجاء لسلطان المغرب.
بداية البداية
أمضى
عبدالقادر فترة في حماية السلطان المغربي، وخلال هذه الفترة كان قد بدأ
بإعادة بناء جيشه وترميمه؛ وقد طالبت الحكومة الفرنسية سلطان المغرب
تسليمها عبدالقادر الجزائري لكن السلطان أبى بشدة؛ فوجهت فرنسا بحريتها
وقصفت مدن (وجدة) و (طنجة) و (والصويرة) وغيرها من المدن المغربية
الساحلية؛ وكان القصف وحشياً وكثيفاً ألحق الخراب والموت بهذه المدن،
عندها غادر الأمير عبدالقادر إلى الجزائر مقرراً متابعة النضال منها، في
حين أجبرت فرنسا سلطان المغرب على عقد معاهدة معها يمتنع من خلالها عن
مساعدة الأمير أو إيوائه.
وتابع عبدالقادر القتال مع ما بقي من
جيشه وفي الوقت الذي كان فيه عدد الجيش يتناقص بسبب استشهاد أعداد كبيرة
من أفراده كانت فرنسا تواصل إرسال المزيد من الجنود والأسلحة للمارشل بوغو
ومع ذلك بقي الجيش المحمدي يلحق الهزائم المتكررة بالجيش الفرنسي فقد وسع
الأمير من نطاق عملياته الحربية، وامتد بها إلى عمق المناطق الجزائرية إلا
أن ما كان يحد من عملياته هو إشفاقة على المواطنين الجزائريين في المناطق
التي كان يقوم فيها بالعمليات إذ كان الجيش الفرنسي بعد كل مواجهة مع جيش
الأمير يقوم بحرق الأرض التي تمت فيها المواجهة ويدمر القرى ويعدم العشرات
من المدنيين فكان لابد أن يضع الأمير حداً لما يرتكبه الفرنسيون من مجازر
وتدمير وقتل فقبل الاستسلام للجنرال (لامود سيير) في شهر مارس عام 1847
بعد خمسة عشر عاماً من النضال المتواصل والمشرف.
عن قبوله
بالاستسلام يكتب الأمير قائلاً: "إذا كان توقفي عن القتال سيريح فرنسا فإن
راحتهم لن تطول؛ لأن البداية لم تحن بعد، سيأتي غيري من بعدي ويبدأ من
جديد" وكان ما توقعه الأمير؛ فإن نضاله كان بداية البداية في النضال
الجزائري الذي تواصل حتى تحرير الجزائر واستقلالها.
واستمر نضاله
اشترط
الأمير قبل استسلامه أن يسمح له الفرنسيون بالرحيل مع أسرته ورجاله إلى أي
بلد إسلامي يختاره ولكن الفرنسين بعد استسلامه أدركوا بأنه في أي بلد مسلم
يذهب إليه سيعيد تشكيل جيشه ويعود لمحاربتهم لهذا نقضوا اتفاق الاستسلام
وساقوا الأمير إلى فرنسا حيث وضع في إقامة إجبارية عدة سنوات، ثم تم
الإفراج عنه شريطة ألا يعود للجزائر ولتضمن فرنسا عدم عودته أجرت له
راتباً كبيراً يتقاضاه طالما هو خارج الجزائر فسافر إلى الإسكندرية وأقام
فيها لفترة قبل أن يغادرها إلى اسطنبول حيث أحاطه السلطان العثماني
عبدالمجيد بالرعاية والتكريم ومن اسطنبول غادر إلى مدينة بروسة وأقام فيها
إلى أن وقع فيها زلزال فغادرها إلى دمشق حيث كان السلطان العثماني قد منحه
قصراً وأجرى له راتباً مجزياً وقد عاش الأمير في دمشق بقية عمره وتوفي
فيها؛ وبعد استقلال الجزائر تم نقل رفاته إليها.
إنها سيرة مشرفة
لمناضل عربي مسلم شهد له أعداؤه بالبطولة والعبقرية العسكرية فقال عنه
المارشال الفرنسي بوغو مثلاً: "لا أملك إلا أن انحني احتراماً لقدرات رجل
وضعني القدر في مواجهته كعدو ولكنني كعسكري تعلمت منه الكثير وأول ما
تعلمته هو أن الحكمة القيادية عندما تمتزج بحب الموت لابد أن تؤدي إلى
النصر في المعارك".
.....................
المصدر
مجلة الجندي المسلم : سيرة وتاريخ
وبدأت فرنسا حربها الكبرى ضد عبدالقادر والجيش المحمدي، واتبع المارشال
بوغو سياسة الأرض المحروقة من خلال حرق المحاصيل والمساحات المزروعة
وتدمير القرى وتخريب الواحات والقتل الجماعي للسكان، وهذا أدى إلى سقوط
قلاع الأمير عبدالقادر تباعاً وفي ذات الوقت قام الجيش بإعدام كل زعماء
القبائل التي تتعاون مع الأمير؛ واستطاع الجيش الفرنسي بهذه السياسة
احتلال مدينة الزمالة التي تضم المصانع العسكرية، والخزينة المالية للأمير
الذي لم يجد بعد طول مقاومة إلا الالتجاء لسلطان المغرب.
بداية البداية
أمضى
عبدالقادر فترة في حماية السلطان المغربي، وخلال هذه الفترة كان قد بدأ
بإعادة بناء جيشه وترميمه؛ وقد طالبت الحكومة الفرنسية سلطان المغرب
تسليمها عبدالقادر الجزائري لكن السلطان أبى بشدة؛ فوجهت فرنسا بحريتها
وقصفت مدن (وجدة) و (طنجة) و (والصويرة) وغيرها من المدن المغربية
الساحلية؛ وكان القصف وحشياً وكثيفاً ألحق الخراب والموت بهذه المدن،
عندها غادر الأمير عبدالقادر إلى الجزائر مقرراً متابعة النضال منها، في
حين أجبرت فرنسا سلطان المغرب على عقد معاهدة معها يمتنع من خلالها عن
مساعدة الأمير أو إيوائه.
وتابع عبدالقادر القتال مع ما بقي من
جيشه وفي الوقت الذي كان فيه عدد الجيش يتناقص بسبب استشهاد أعداد كبيرة
من أفراده كانت فرنسا تواصل إرسال المزيد من الجنود والأسلحة للمارشل بوغو
ومع ذلك بقي الجيش المحمدي يلحق الهزائم المتكررة بالجيش الفرنسي فقد وسع
الأمير من نطاق عملياته الحربية، وامتد بها إلى عمق المناطق الجزائرية إلا
أن ما كان يحد من عملياته هو إشفاقة على المواطنين الجزائريين في المناطق
التي كان يقوم فيها بالعمليات إذ كان الجيش الفرنسي بعد كل مواجهة مع جيش
الأمير يقوم بحرق الأرض التي تمت فيها المواجهة ويدمر القرى ويعدم العشرات
من المدنيين فكان لابد أن يضع الأمير حداً لما يرتكبه الفرنسيون من مجازر
وتدمير وقتل فقبل الاستسلام للجنرال (لامود سيير) في شهر مارس عام 1847
بعد خمسة عشر عاماً من النضال المتواصل والمشرف.
عن قبوله
بالاستسلام يكتب الأمير قائلاً: "إذا كان توقفي عن القتال سيريح فرنسا فإن
راحتهم لن تطول؛ لأن البداية لم تحن بعد، سيأتي غيري من بعدي ويبدأ من
جديد" وكان ما توقعه الأمير؛ فإن نضاله كان بداية البداية في النضال
الجزائري الذي تواصل حتى تحرير الجزائر واستقلالها.
واستمر نضاله
اشترط
الأمير قبل استسلامه أن يسمح له الفرنسيون بالرحيل مع أسرته ورجاله إلى أي
بلد إسلامي يختاره ولكن الفرنسين بعد استسلامه أدركوا بأنه في أي بلد مسلم
يذهب إليه سيعيد تشكيل جيشه ويعود لمحاربتهم لهذا نقضوا اتفاق الاستسلام
وساقوا الأمير إلى فرنسا حيث وضع في إقامة إجبارية عدة سنوات، ثم تم
الإفراج عنه شريطة ألا يعود للجزائر ولتضمن فرنسا عدم عودته أجرت له
راتباً كبيراً يتقاضاه طالما هو خارج الجزائر فسافر إلى الإسكندرية وأقام
فيها لفترة قبل أن يغادرها إلى اسطنبول حيث أحاطه السلطان العثماني
عبدالمجيد بالرعاية والتكريم ومن اسطنبول غادر إلى مدينة بروسة وأقام فيها
إلى أن وقع فيها زلزال فغادرها إلى دمشق حيث كان السلطان العثماني قد منحه
قصراً وأجرى له راتباً مجزياً وقد عاش الأمير في دمشق بقية عمره وتوفي
فيها؛ وبعد استقلال الجزائر تم نقل رفاته إليها.
إنها سيرة مشرفة
لمناضل عربي مسلم شهد له أعداؤه بالبطولة والعبقرية العسكرية فقال عنه
المارشال الفرنسي بوغو مثلاً: "لا أملك إلا أن انحني احتراماً لقدرات رجل
وضعني القدر في مواجهته كعدو ولكنني كعسكري تعلمت منه الكثير وأول ما
تعلمته هو أن الحكمة القيادية عندما تمتزج بحب الموت لابد أن تؤدي إلى
النصر في المعارك".
.....................
المصدر
مجلة الجندي المسلم : سيرة وتاريخ