معارك وانتصارات
جعل عبدالقادر من مدينة (معسكر) عاصمة له ومنها
انطلق بجيش محمد لملاقاة الجيش الفرنسي فجرت عدة معارك انهزم فيها
الفرنسيون هزائم منكرة ومن هذه المعارك معركة (خنق النطاح) التي أدت إلى
تبديل القيادة العسكرية الفرنسية في الجزائر بقيادة أخرى ولكن المعارك
توالت وفي معظمها كان النصر حليف جيش محمد ولم يمض عام إلا وكانت منطقة
وهران بالكامل تحت سيادة عبدالقادر مما أجبر فرنسا على التعامل معه كقائد
كبير له ثقله وفي الواقع أحست فرنسا بأنها ستخرج مهزومة من الجزائر بسرعة
إذا استمرت انتصارات عبدالقادر ولذلك سعت إلى عقد هدنة معه وقد قبل
عبدالقادر بالهدنة لأنه كان يدرك بأن الفرنسيين مستمرون بإرسال المزيد من
القوات والأسلحة لجيشهم في الجزائر ولابد من أن يواصل بدوره حشد المزيد من
الجزائريين في جيش محمد وتطوير مصانع الأسلحة التي أنشأها وهكذا في 26
فبراير 1834 اجتمع كبار القادة والسياسيين الفرنسيين به لعقد الهدنة.
في
ذلك الاجتماع وقف عبدالقادر موقف الفرنسيين بل كان الطرف الأقوى وبدلاً من
عقد هدنة وقع الفرنسيون على معاهدة اعتبرها المؤرخون الفرنسيون أكبر
معاهدة مهينة في تاريخ الجيش الفرنسي إذ نصت بنود تلك المعاهدة على مايلي:
- تعترف الحكومة الفرنسية بسلطة عبدالقادر وجيشه على كافة العمالة الوهرانية.
-
يحق لعبدالقادر أن يستورد الأسلحة من أية جهة كانت وفي كل وقت ولايحق
للجيش الفرنسي اعتراض الأسلحة التي يستوردها أو تفتيشها أو مصادرة شيء
منها.
- يحق لعبدالقادر تعيين قناصل له في أي مكان داخل الجزائر وخارجها واستقبال قناصل معينيين من الدول التي يقيم معها علاقات.
- لا يحق للجيش الفرنسي إيواء المتمردين والخارجين عن سلطة عبدالقادر وعليه تسليمهم إليه.
وقد سميت هذه المعاهدة بمعاهدة (ديميشال).
وفي
الواقع كان عبدالقادر يدرك بأن الفرنسيين لا أمان لهم ولاقيمة لمعاهداتهم
لذلك استمر ببناء قوة جيشه وتسليحه وفي ذات الوقت استمر بفرض سيطرته على
وهران وقد كتب بنفسه عن تلك المعاهدة قائلاً: بأنه غير مقتنع بها لأنه
يريد تحرير كامل الجزائر وإنه يثق بأن الفرنسيين لن يحترموا المعاهدة
وسيقومون بنقضها ولكن إلى ذلك الحين ستكون لديه فرصة كافية لتقوية الجيش
وزيادة تسليحه وقد تحقق ما رآه سريعاً ففي عام 1935 ثارت قبيلتان على سلطة
عبدالقادر وانضمتا إلى فرنسا فبرز لهما عبدالقادر وقاتلهم ثم طالب
الفرنسيين تسليمه زعماء القبيلتين تنفيذاً لمعاهدة ديميشال فرفض الفرنسيون
ذلك عندها انبرى عبدالقادر وواصل القتال ضد الفرنسيين باعتبارهم قد نقضوا
معاهدة ديميشال وقد ألحق بالجيش الفرنسي هزائم كبيرة في معارك مثل معركة
المقطع في الشهر السادس من عام 1835 ووجدت فرنسا نفسها مرة أخرى أمام مأزق
مواجهة قائد عسكري عبقري يلحق بها الهزائم تلو الهزائم.
منهجه العسكري
بالطبع
لايمكن أن نستعرض كافة المعارك التي قاد فيها عبدالقادر جيشه وحقق من
خلالها الانتصارات على قوات الفرنسيين فهي انتصارات كثيرة ومن خلالها
تتبدى عبقريته العسكرية والقيادية ومنهجه المبتكر في خوض المعارك ورسم
وتنفيذ الخطط الحربية ولعل أهم ملامح منهجه الحربي كان كما يلي:
بناء الجيش العقائدي
فقد
حرص على أن يكون جيشه متسلحاً بالعقيدة الإسلامية، ومن الواضح أن تسمية
جيشه باسم (الجيش المحمدي) يعكس هذا الحرص العقائدي، وكان لا يترك فرصة
إلا ويلتقي فيها بأفراد الجيش محدثاً إياهم بما لديه من علم الفقه
والعقيدة؛ وزارعاً في نفوسهم حب الشهادة في سبيل الله تعالى.
المرونة في الحركة
وذلك من خلال ضرب العدو دون مواجهته في معركة فاصلة؛ مما كان يحطم معنويات العدو، ويضعه في حالة ارتباك مستمر.
استغلال البيئة
فقد
كان يجر القوات الفرنسية إلى عمق المناطق الصحراوية حيث الحرارة الشديدة،
وصعوبة الحركة وسط الرمال والكثبان، وهي بيئة قاسية على الجنود الفرنسيين،
في حين أن الجزائريين متأقلمون معها.
العاصمة المتنقلة
فحيثما حل مع جيشه كانت عاصمته وبذلك فوت على الفرنسيين إمكانية القضاء على عاصمته.
بهذه
الصفة القيادية والمنهج العسكري المبتكر استطاع عبدالقادر أن يلحق الهزائم
تلو الهزائم بالجيش الفرنسي وجعل الحكومة الفرنسية في ارتباك دائم وعندما
حلت بالفرنسيين الهزيمة الماحقة في معركة (المقطع) اهتزت الحكومة الفرنسية
وعقدت اجتماعاً طارئاً ضم كبار القادة العسكريين وتقرر إنهاء عبدالقادر
ومقاومة جيشه بأي شكل كان، ومهما كانت التكاليف؛ إنقاذاً لما بقي من هيبة
فرنسا أمام العالم وأمام الشعب الفرنسي وفي سبيل تنفيذ ذلك جردت فرنسا
جيشاً كبيراً رفدته بأعداد كبيرة من جنودها الذين استقدمتهم من مستعمراتها
وعلى مدة عدة أشهر كانت السفن الفرنسية تنقل الجنود والمعدات إلى الجزائر
بدون توقف حتى بلغ عدد الجيش الفرنسي في الجزائر أضعاف ما حشدته فرنسا
لأكبر معاركها مع إنكلترا (الحرب الكبرى).
بعد أن زجت فرنسا بمعظم
جيشها في الجزائر شكلت مجلساً حربياً بقيادة المارشال (بوجو) ومعه عشرة
ضباط برتبة جنرال وخمسة برتبة كولونيل وقد كتب المارشال بوجو في مذكراته
قائلاً: "لقد شكلنا مجلساً حربياً لا يتشكل إلا في الحروب الكبرى التي
تخوضها فرنسا ومنذ البداية أكدنا قناعتنا نحن أعضاء المجلس الحربي بأن
العدو الذي سنقاتله قد يكون أكبر من كل الأعداء الذين عرفناهم فعبدالقادر
كما تأكد لنا داهية لا يستهان به ويجب أن نحترم قدراته غير العادية ونتحسب
لها كما أن الذين قاتلوا جيشه أخبرونا أنهم في الواقع قاتلوا عدواً وهمياً
فهذا الجيش يظهر من الأماكن التي لا يتوقع أحد أن يظهر جيش منها وعندما
تستوعبه وتتجه إليه يختفي في الصحراء. إن الحرب ضد عبدالقادر وجيشه هي
الحرب الكبرى التي نخوضها ويجب أن نعتبرها الحرب الكبرى".
...
جعل عبدالقادر من مدينة (معسكر) عاصمة له ومنها
انطلق بجيش محمد لملاقاة الجيش الفرنسي فجرت عدة معارك انهزم فيها
الفرنسيون هزائم منكرة ومن هذه المعارك معركة (خنق النطاح) التي أدت إلى
تبديل القيادة العسكرية الفرنسية في الجزائر بقيادة أخرى ولكن المعارك
توالت وفي معظمها كان النصر حليف جيش محمد ولم يمض عام إلا وكانت منطقة
وهران بالكامل تحت سيادة عبدالقادر مما أجبر فرنسا على التعامل معه كقائد
كبير له ثقله وفي الواقع أحست فرنسا بأنها ستخرج مهزومة من الجزائر بسرعة
إذا استمرت انتصارات عبدالقادر ولذلك سعت إلى عقد هدنة معه وقد قبل
عبدالقادر بالهدنة لأنه كان يدرك بأن الفرنسيين مستمرون بإرسال المزيد من
القوات والأسلحة لجيشهم في الجزائر ولابد من أن يواصل بدوره حشد المزيد من
الجزائريين في جيش محمد وتطوير مصانع الأسلحة التي أنشأها وهكذا في 26
فبراير 1834 اجتمع كبار القادة والسياسيين الفرنسيين به لعقد الهدنة.
في
ذلك الاجتماع وقف عبدالقادر موقف الفرنسيين بل كان الطرف الأقوى وبدلاً من
عقد هدنة وقع الفرنسيون على معاهدة اعتبرها المؤرخون الفرنسيون أكبر
معاهدة مهينة في تاريخ الجيش الفرنسي إذ نصت بنود تلك المعاهدة على مايلي:
- تعترف الحكومة الفرنسية بسلطة عبدالقادر وجيشه على كافة العمالة الوهرانية.
-
يحق لعبدالقادر أن يستورد الأسلحة من أية جهة كانت وفي كل وقت ولايحق
للجيش الفرنسي اعتراض الأسلحة التي يستوردها أو تفتيشها أو مصادرة شيء
منها.
- يحق لعبدالقادر تعيين قناصل له في أي مكان داخل الجزائر وخارجها واستقبال قناصل معينيين من الدول التي يقيم معها علاقات.
- لا يحق للجيش الفرنسي إيواء المتمردين والخارجين عن سلطة عبدالقادر وعليه تسليمهم إليه.
وقد سميت هذه المعاهدة بمعاهدة (ديميشال).
وفي
الواقع كان عبدالقادر يدرك بأن الفرنسيين لا أمان لهم ولاقيمة لمعاهداتهم
لذلك استمر ببناء قوة جيشه وتسليحه وفي ذات الوقت استمر بفرض سيطرته على
وهران وقد كتب بنفسه عن تلك المعاهدة قائلاً: بأنه غير مقتنع بها لأنه
يريد تحرير كامل الجزائر وإنه يثق بأن الفرنسيين لن يحترموا المعاهدة
وسيقومون بنقضها ولكن إلى ذلك الحين ستكون لديه فرصة كافية لتقوية الجيش
وزيادة تسليحه وقد تحقق ما رآه سريعاً ففي عام 1935 ثارت قبيلتان على سلطة
عبدالقادر وانضمتا إلى فرنسا فبرز لهما عبدالقادر وقاتلهم ثم طالب
الفرنسيين تسليمه زعماء القبيلتين تنفيذاً لمعاهدة ديميشال فرفض الفرنسيون
ذلك عندها انبرى عبدالقادر وواصل القتال ضد الفرنسيين باعتبارهم قد نقضوا
معاهدة ديميشال وقد ألحق بالجيش الفرنسي هزائم كبيرة في معارك مثل معركة
المقطع في الشهر السادس من عام 1835 ووجدت فرنسا نفسها مرة أخرى أمام مأزق
مواجهة قائد عسكري عبقري يلحق بها الهزائم تلو الهزائم.
منهجه العسكري
بالطبع
لايمكن أن نستعرض كافة المعارك التي قاد فيها عبدالقادر جيشه وحقق من
خلالها الانتصارات على قوات الفرنسيين فهي انتصارات كثيرة ومن خلالها
تتبدى عبقريته العسكرية والقيادية ومنهجه المبتكر في خوض المعارك ورسم
وتنفيذ الخطط الحربية ولعل أهم ملامح منهجه الحربي كان كما يلي:
بناء الجيش العقائدي
فقد
حرص على أن يكون جيشه متسلحاً بالعقيدة الإسلامية، ومن الواضح أن تسمية
جيشه باسم (الجيش المحمدي) يعكس هذا الحرص العقائدي، وكان لا يترك فرصة
إلا ويلتقي فيها بأفراد الجيش محدثاً إياهم بما لديه من علم الفقه
والعقيدة؛ وزارعاً في نفوسهم حب الشهادة في سبيل الله تعالى.
المرونة في الحركة
وذلك من خلال ضرب العدو دون مواجهته في معركة فاصلة؛ مما كان يحطم معنويات العدو، ويضعه في حالة ارتباك مستمر.
استغلال البيئة
فقد
كان يجر القوات الفرنسية إلى عمق المناطق الصحراوية حيث الحرارة الشديدة،
وصعوبة الحركة وسط الرمال والكثبان، وهي بيئة قاسية على الجنود الفرنسيين،
في حين أن الجزائريين متأقلمون معها.
العاصمة المتنقلة
فحيثما حل مع جيشه كانت عاصمته وبذلك فوت على الفرنسيين إمكانية القضاء على عاصمته.
بهذه
الصفة القيادية والمنهج العسكري المبتكر استطاع عبدالقادر أن يلحق الهزائم
تلو الهزائم بالجيش الفرنسي وجعل الحكومة الفرنسية في ارتباك دائم وعندما
حلت بالفرنسيين الهزيمة الماحقة في معركة (المقطع) اهتزت الحكومة الفرنسية
وعقدت اجتماعاً طارئاً ضم كبار القادة العسكريين وتقرر إنهاء عبدالقادر
ومقاومة جيشه بأي شكل كان، ومهما كانت التكاليف؛ إنقاذاً لما بقي من هيبة
فرنسا أمام العالم وأمام الشعب الفرنسي وفي سبيل تنفيذ ذلك جردت فرنسا
جيشاً كبيراً رفدته بأعداد كبيرة من جنودها الذين استقدمتهم من مستعمراتها
وعلى مدة عدة أشهر كانت السفن الفرنسية تنقل الجنود والمعدات إلى الجزائر
بدون توقف حتى بلغ عدد الجيش الفرنسي في الجزائر أضعاف ما حشدته فرنسا
لأكبر معاركها مع إنكلترا (الحرب الكبرى).
بعد أن زجت فرنسا بمعظم
جيشها في الجزائر شكلت مجلساً حربياً بقيادة المارشال (بوجو) ومعه عشرة
ضباط برتبة جنرال وخمسة برتبة كولونيل وقد كتب المارشال بوجو في مذكراته
قائلاً: "لقد شكلنا مجلساً حربياً لا يتشكل إلا في الحروب الكبرى التي
تخوضها فرنسا ومنذ البداية أكدنا قناعتنا نحن أعضاء المجلس الحربي بأن
العدو الذي سنقاتله قد يكون أكبر من كل الأعداء الذين عرفناهم فعبدالقادر
كما تأكد لنا داهية لا يستهان به ويجب أن نحترم قدراته غير العادية ونتحسب
لها كما أن الذين قاتلوا جيشه أخبرونا أنهم في الواقع قاتلوا عدواً وهمياً
فهذا الجيش يظهر من الأماكن التي لا يتوقع أحد أن يظهر جيش منها وعندما
تستوعبه وتتجه إليه يختفي في الصحراء. إن الحرب ضد عبدالقادر وجيشه هي
الحرب الكبرى التي نخوضها ويجب أن نعتبرها الحرب الكبرى".
...
********************************************